ليس هناك مجال للشك في أن فتح القسطنطينية (إسطنبول حاليا) هو واحد من أعظم الانتصارات التي خلدها التاريخ، حيث أنها كانت تمثل الحصن الحصين الذي صمد طويلا أمام جيوش العثمانيين، والحلم الذي راود مخيلة السلاطيين، حتى كتب للمسلمين النصر على يد السلطان محمد الثاني، الذي لقب بمحمد الفاتح، ليرتبط اسمه بذلك الفتح العظيم. قلعة روملي حصار هي إحدى عجائب ذلك الفتح، حيث أنها القلعة التي أمر محمد الفاتح ببنائها، وتم له ذلك في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر فقط! لتكون بعد ذلك السبب وراء فتحه للقسطنطينية. يبلغ ارتفاع أسوار القلعة 82 مترا، وهي بناء رائع الجمال، حيث تحدت تضاريس المكان، واعتبرت إعجاز على مستوى المعمار والزمن الذي استغرقه بناؤها. وبعد بنائها تمكن السلطان محمد الفاتح من إحكام حصاره للقسطنطينية، والدخول إليها منتصرا. وتعد روملي حصار واحدة من أهم معالم إسطنبول التاريخية على الإطلاق، حيث تمتاز تلك القلعة المهيبة بإطلالتها على مضيق البوسفور، وبأبراجها وأسوارها المرتفعة.
تاريخ قلعة روملي حصار
وصل السلطان محمد الفاتح إلى القسطنطينية على رأس جيش قوامه خمسين ألف جندي، وعسكروا في نفس الموقع الذي توجد به قلعة روملي حصار الآن، كان ذلك يوم الأحد الخامس من ربيع الأول 856هـ، الموافق 26 مارس 1452م، وكان الهدف هو قطع قناة البحر الأسود على الدولة البيزنطية، بالتالي قطع الإمدادات التي تصل إلى المدينة من جهة، وكذلك السيطرة على مضيق البوسفور من جهة أخرى، وهي نقطة التأمين الضرورية ما بين الأناضول والروملي، لذا حدد السلطان محمد الفاتح مكان القلعة بنفسه، وأمر بهدم كنيسة سان ميشل التي كانت موجودة هناك حينها، لتضاف أنقاضها إلى مواد البناء اللازمة لإتمام تشييد روملي حصار، والتي جاء بها من الأناضول، كما جاء بالأخشاب من أزمير، وبقي الجيش بهذا الموقع إلى نهاية شهر أغسطس، حيث قام السلطان بالإشراف المباشر على أعمال البناء. يذكر أن أعداد العمال الذين شاركوا في تشييد القلعة يتراوح بين 3 إلى 5 آلاف عامل، إضافة إلى عشرة آلاف مساعد، ما مكن السلطان محمد الفاتح من إتمام أعمال البناء في ذلك الوقت القياسي. بينما كان يجري العمل في قلعة روملي حصار كخلية النحل، كان السلطان الفاتح يقوم كذلك بإضافة بعض المباني الملحقة إلى قلعة الأناضول، وإعادة ترميم بعض حصونها، ونشر الجنود والمدافع في جميع أرجائها، ما مكن السلطان من فرض سيطرته على القناة –البوسفور- في أضيق مناطقها على كلا الجانبين. تذكر بعض المصادر أن أعمال الإنشاء والبناء في قلعة روملي حصار، والتي سميت في مصادر عثمانية قديمة باسم (بوغاز كسن) أي (قاطع القناة)، تمت في أربعين يوما فقط، إلا أن الراجح، والذي تؤكده بعض المصادر البيزنطية، أن السلطان جاء إلى موقع القلعة في الخامس من ربيع الأول، وهو الموافق 26 مارس؛ والكتابة المثبتة على باب القلعة الداخلي الذي يطل على (حي ببك) تفيد أن الانتهاء من أعمال البناء والتشييد كان في شهر رجب، أي شهر يوليو من نفس العام، وهو ما يوضح أن هذه القلعة المهيبة استغرقت حوالي ثلاثة أشهر ونصف فقط. وبعدما اكتمل بناء القلعة، وتم تعيين المحافظين بها، رجع محمد الفاتح إلى مدينة أدرنة، كان ذلك يوم الإثنين 12 شعبان، الذي يوافق 28 أغسطس.
ويذكر أن سمك جدران قلعة روملي حصار يتراوح بين 20 و25 قدما، كما أن جدران الأبراج تم تغطيتها بطبقة كاملة من الرصاص المذاب، ويتراوح سمك تلك الجدران بين 30 و32 و35 قدما. ولقد تم بناء القلعة على صورة اسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وذلك بناء على أوامر السلطان، تفاؤلا منه بالنصر الذي سيتم قريبا للمسلمين.
قلعة روملي حصار: وفرض السيطرة
لما انتهى المسلمون من أعمال تشييد القلعة، ألحقت المدافع بجميع أسوارها وأبراجها، وعلى مختلف الأبعاد، كذلك تم نشر ما يزيد على أربعمائة جندي تم اختيارهم بعناية لمباشرة أعمال الحراسة، وعلى رأسهم القائد (فيروز أغا)، الذي كان محل ثقة السلطان محمد الفاتح، وكثيرًا ما كان يعتمد عليه في المهمات الخاصة. أصدر فيروز آغا أوامره بتوقيف جميع السفن التي تعبر القناة، وإجبارها على تقديم التحية والسماح بتفتيشها، كذلك بتحصيل رسوم العبور التي تتناسب مع حمولة كل سفينة، كما أمر بإغراق أية سفينة تعصي هذه الأوامر. وبالفعل قام القائد فيروز آغا بتنفيذ كل الأوامر على الفور، حيث أنه على سبيل المثال أغرق السفينة التابعة للبنادقة، وكان ذلك خلال شهر شعبان الذي وافق أغسطس من نفس العام، هذا بعدما رفضت الامتثال لما أقر من أوامر.
وقد ذكر عن موقف السلطان محمد الفاتح مع الوفد الذي أرسله الإمبراطور البيزنطي، احتجاجًا على أعمال تشييد القلعة، أنه أخبرهم بأن هذا إجراء أمني العثمانيين وحدهم، في إشارة إلى أن موقع روملي حصار لم يعد تابع للدولة البيزنطية، ولا للجنويين، وأن نقطة العبور هذه تحت سيادة الأتراك فقط. ثم أضاف إلى ذلك أن توفير الحماية اللازمة للقناة سوف يقضي على قراصنة رودس، وقراصنة البندقية، وقطاع قاتالان.. وغيرهم ممن يضرون بالتجارة التركية والبيزنطية على حد سواء، لذا ينبغي أن يسعد الإمبراطور البيزنطي بهذا العمل. ويشير بذلك إلى أن والده السلطان مراد الثاني قد منع من العبور إلى الروملي عبر القناة، حيث اعترض طريقه أسطول اللآتين، ما اضطره إلى عبور قناة إسطنبول بصعوبة شديدة. وعندما رأى السلطان الفاتح إصرار وفد الإمبراطور على موقفه، قال لأعضاء الوفد: “إن الأماكن التي تصل إليها القوة التي أملكها، لن تبلغها آمال إمبراطوركم، وإنني إذ أسمح لكم هذه المرة بالعودة إلى دياركم، فإنني أنذركم أنه لو تكرر مجيئ وفود أخرى، فسوف أقشط جلود أعضائها وهم أحياء”. ثم طردهم من مجلسه شر طردة، ولقد فهم الإمبراطور هذا التهديد جيدا، وأصبح أكثر تأنيًا في قراراته، بل إن بعض الروايات تشير إلى أنه من بعدها أخذ يرسل الطعام بنفسه إلى العاملين على تشييد البناء، من أجل أن يهدأ غضب السلطان.
مخطط العمل في روملي حصار
إن مخططات البناء التي تم تنفيذ أعمال قلعة روملي حصار على أساسها هي من آثار المهندس المعماري مصلح الدين. وتقع القلعة على أضيق منطقة في القناة، والتي توصل بين الساحل الأناضولي وساحل الروملي، حيث تقدر المسافة بينهما في هذه النقطة بحوالي 700م، وقد تشكلت هذه القلعة من ثلاث زوايا تضم ثلاثة أبراج، حيث يتحكم اثنان من تلك الأبراج في البحر، وواحد يشرف على البر. أشرف على بناء البرج المضلع الواقع بجانب البحر الوزير الأعظم خليل باشا جاندارلي، كما قام صاروجه باشا بالإشراف على البرج المطل على قرية حصار، أما البرج المطل على حي (ببك) فقد أشرف على بنائه زاغانوس محمد باشا، ومما يذكر أن هؤلاء المشرفين كانوا يشاركون في أعمال البناء بأنفسهم، حتى يصيروا مثالاً يحتذى به لدى باقي العمال.
كيفية الوصول إلى قلعة روملي حصار
أقرب محطة أتوبيس İETT Rumeli Hisarı Durağı، أو باص من تقسيم 40، 40t، 42te، أو عن طريق مترو من تقسيم إلى آخر محطة بعد ليفنت 4، ثم تاكسي أو سيرا على الأقدام.
كما يمنكم الوصول أيضا من محطة كاباتاش مباشرة الى روملي حصار بأتوبيسات رقم 25e-22-22er، يستغرق الوصول تقريبا 25 دقيقة.
أوقات العمل يوميا عدا الأربعاء من الساعة 09:30 صباحا حتى 04:30 مساء، رسوم الدخول 5 ليرة تركي.
أخيرا.. لا يمكنك زيارة إسطنبول دون أن تزور تلك القلعة المهيبة، الضاربة بجذورها في التاريخ، والتي تمثل بداية الحقبة العثمانية ودخول الإسلام إلى هذه البلاد، إنها القلعة التي كانت تمثل حلما بالسيطرة لدى السلاطين العثمانيين.. قلعة روملي حصار.