السياحة في ستراسبورغ التراثية العريقة، تلك البقعة التي تداولتها الممالك والدول على مر العصور، بداية من الإمبراطورية الرومانية قبل الميلاد، ومرورا باستقلالها، ثم ضمها لفرنسا، ومن بعدها ألمانيا، وختاما بما بقيت عليه حتى يومنا هذا كواحدة من المدن الفرنسية ذائعة الصيت، مما أضفى على المدينة طابعا حضاريا وثقافيا مميزا وفريدا. تحتل ستراسبورغ مكانة دولية رفيعة بما تحتويه من منظمات دولية؛ كالبرلمان الأوروبي، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. كما تعتبر زيارة أماكن السياحة في ستراسبورغ المدينة الفرنسية العريقة واحدة من التجارب الآسرة، إذ تمثل واحدة من المراكز السياحية الكبرى، التي تشهد إقبالا متزايدا من الزائرين، حيث تعتبر منطقة وسط ستراسبورغ القديمة واحدة من مواقع التراثي العالمي والإنساني الهامة، والتي ضمتها منظمة اليونسكو إلى قائمة مواقعها التراثية عام 1988م.

 

تعرف على ستراسبورغ

ستراسبورغ هي العاصمة والمركز الإداري لمنطقة (إلزاس)، تقع شمالي شرق فرنسا، تحديدا على ضفاف نهر الـ(إيل) المتفرع عن أكبر أنهار أوروبا (الراين)، حيث تقبع المدينة على الحدود الفاصلة بين فرنسا وألمانيا، على مسافة خمسة وعشرين كيلومترا من غابة ألمانيا السوداء.

يفوق تعداد سكان مدينة ستراسبورغ نفسها الربع مليون نسمة، وبسكان المناطق المحيطة بها يصل العدد لحوالي 700 ألف. عدد كبير ممن يقيمون في المدينة جنسيتهم الألمانية، لذا ينتشر استعمال اللغة الألمانية إلى جانب الفرنسية هناك. ومن الظواهر الملاحظة بمدينة ستراسبورغ أن عددا كبيرا من سكانها يذهبون إلى ألمانيا صباحا بصورة يومية للعمل هناك، مجتازين الحدود بين الدولتين ذهابا إيابا.

تتمتع ستراسبورغ بكثير من المزارع والمناطق الخضراء، حيث تنتشر الحدائق والغابات في مختلف أنحاء المدينة. ولكونها محاطة بجبال (ووج) فالمناخ شبه القاري لستراسبورغ يصنع فروقا واضحة في حالة الطقس هناك من فصل لآخر، لتجد الصيف شديد الحرارة ومرتفع الرطوبة، أما في الشتاء فتكون درجات الحرارة منخفضة بشكل كبير، ما يجعل البرودة قاسية وتساقط الثلوج كثيفا على المدينة.

وتشتهر مدينة ستراسبورغ باحتوائها على عدد من أكبر الجامعات والمراكز التعليمية في أوروبا، حيث تعتبر ثاني أبرز المراكز التعليمية وأعرقها في جميع أنحاء فرنسا بعد باريس. كما أنها اعتبرت موطنا لكثير من فناني ومثقفي فرنسا وألمانيا، كـ(مترينخ) و(جيته) و(كليمنس ).

 

تاريخ ستراسبورغ

مثلت المدينة خلال حكم الرومان لها واحدة من الثكنات العسكرية الهامة، حيث بدأ نجمها في الظهور قبل الميلاد بحوالي اثني عشر عاما. وخلال القرن الخامس الميلادي خضعت المدينة لحكم (الهانس)، ومن بعدهم سيطر عليها (الفرانكس)، إلى ان جاءت سنة 923  لتعود المدينة لسيطرة الرومان مرة أخرى، ثم اندلعت الثورة في أرجاء ستراسبورغ سنة 1332م، لتستقل بحكمها الذاتي، قبل أن تعود إلى إمبراطورية الرومان مرة أخرى.

قام لويس الرابع عشر ملك فرنسا ببسط سيطرته على المدينة عقب حرب امتدت 30 عاما، لتشهد ستراسبورغ بذلك نموا صناعيا واقتصاديا واضحا حتى بدايات القرن التاسع عشر. إلا أنها شهدت دمارا واسعا أثناء الحرب الفرنسية البروسية، حيث قصفت القوات البروسية العديد من المواقع الصناعية والتاريخية بالمدينة. وبعدما وضعت الحرب أوزارها تم ضم المدينة للنفوذ الألماني، حتى عادت إلى النفوذ الفرنسي مرة أخرى عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى.

عادت المدينة مرة أخرى للحكم الألماني خلال ثاني الحروب العالمية، بعدما منيت فرنسا بالهزيمة، لكنها سرعان ما عادت من جديد لتتبع الحكم الفرنسي عقب انتهاء هذه الحروب، كل هذا التاريخ الحافل أعطى أماكن السياحة في ستراسبورغ سمات خاصة.

بدأت أوروبا في تشكيل المنظمات الكبرى، كان ذلك سنة 1920م، عندما أقيمت لجنة مركزية لتنظيم الملاحة في مياه (الراين)، وقد اختيرت ستراسبورغ في 1949م لتكون مقرا لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية وكذا لمفوضية أوروبا، ثم في 1952م وقع على ستراسبورغ الاختيار كمقر لبرلمان أوروبا.

 

أجمل أماكن السياحة في ستراسبورغ

بجانب أن ستراسبورغ تعتبر من المواقع التراثية العالمية التي تحفل بالعديد من المزارات التاريخية القديمة، فهي أيضا تمتلئ بالمراكز الثقافية والفنية، فبها عدد من المسارح والمعارض الفنية المميزة، كذلك تضم المدينة كثيرا من أماكن الترفيه والمطاعم العالمية والمقاهي، فهي مكان يتماهى فيه القديم مع الحديث، ليشكل طابعا مميزا يخص المدينة وحدها. ومن بين أبرز أماكن السياحة في ستراسبورغ نجد:

 

قصر روهان

قصر روهان

قصر روهان

يعتبر القصر واحدا من التحف الفنية والتاريخية في فرنسا، حيث جرى استخدامه في ما مضى كمقر لعدد من أمراء عائلة الروهان. بدأ إنشاؤه عام 1730م، وافتتح عام 1742م، بعدما سيطر البروتستانت على المدينة لمدة 200 عام، فمثل عودت الكاثوليك إلى ستراسبورغ مرة أخرى، ليكون بذلك من أبرز النماذج على فن المعمار الفرنسي الباروكي، لا سيما تلك النقوش والرسومات البديعة التي تزين أرجاءه، إلى جانب المنحوتات والتماثيل الفريدة، كل ذلك جعله من أكثر أماكن السياحة في ستراسبورغ جذبا للزوار.

وقبل بداية القرن العشرين بوقت قصير تم إلحاق عدد من المتاحف المهمة لمباني القصر، حيث يضم متحفا للآثار، ومتحفا للزخارف الفنية، ومتحفا ثالثا لفنون الجميلة.

 

كاتدرائية ستراسبورغ

كاتدرائية ستراسبورغ

كاتدرائية ستراسبورغ

هي “الأعجوبة الضخمة والمرهفة” كما وصفها الأديب الفرنسي فكتور هوغو، حيث كانت تمثل أطول بناء على مستوى العالم خلال القرن السابع عشر، كما أنها لا تزال تحتل المرتبة السادسة بين كنائس العالم الأكثر طولا إلى يومنا هذا. تعد كاتدرائية ستراسبورغ الكاثوليكية الرومانية من أشهر المراكز الدينية في أوروبا، حيث تمتاز بطراز المعمار القوطي الزاخر بكثير من النقوش والرسومات البديعة.

بدأ بناء الكاتدرائية عام 1277م، حيث أشرف عليه المهندس المعماري (إرفين شتاينباخ) حتى توفي عام 1318م. ومما يميز بنائها ذلك البرج الشاهق الذي يبلغ طوله 142م، ليصفها الكاتب الألماني الشهير (غوته) قائلا “إنها شاهقة وأنيقة، مثل شجرة فضفاضة من لدن الله”. وهناك يمكنك التمتع بمشاهدة ضفاف الراين وسهول (ألزاس) الفسيحة، وفي الجهة الأخرى من النهر توجد غابة ألمانيا السوداء.

 

متحف تاريخ ستراسبورغ

وهو المتحف الذي يحفظ التاريخ الاجتماعي والسياسي لستراسبورغ، افتتح عام 1920م، لكن المبنى نفسه تم بناؤه سنة 1588م في عصر النهضة بفرنسا، حيث كان يعد حينها مسلخ المدينة الكبير. يحتوي المتحف على مقتنيات تنتمي للعصور الوسطى وصولا للقرن الثامن عشر، تتضمن آلات عسكرية وقطع ومنحوتات ولوحات فنية وملابس، حيث يشتمل على أكثر من 200 ألف قطعة أثرية.

 

الساعة الفلكية

 الساعة الفلكية في ستراسبورغ

الساعة الفلكية داخل مبنى الكاتدرائية بمدينة ستراسبورغ

 

توجد الساعة الفلكية داخل مبنى الكاتدرائية في ستراسبورغ، وتعتبر ثالث الساعات التي اشتمل عليها هذا الموقع، حيث بنيت الأولى خلال القرن الرابع عشر، وثاني تلك الساعات فإنشئ خلال القرن السادس عشر الميلادي، أما الثالثة والتي بقيت حتى يومنا هذا فيرجع بناؤها لسنة 1843م. تمتاز ساعة ستراسبورغ الفلكية بطريقة عملها الأوتوماتيكية، كما تشتمل على تقويم تدرجي يمكن من خلاله تحديد موقع الشمس والقمر الفعلي، ومعرفة مواقيت الخسوف والكسوف، كما تزين الساعة بعض أيقونات السيد المسيح.

 

ساحة غوتنبيرغ

ساحة غوتنبرغ الشهيرة بقلب مدينة ستراسبورغ، وهي مكان فسيح تنظم به الكثير من الفاعليات الثقافية والترفيهية، تسمت بهذا الاسم نسبة لمخترع أول آلة طباعة في العالم (يوهان غوتنبيرغ)، ويحتل تمثاله منتصف الساحة، حيث يمكنك قضاء أوقات ممتعة هناك والتقاط الصور التذكارية المميزة.

 

مبنى البرلمان الأوروبي

مبنى الجلسات العامة للبرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ

مبنى الجلسات العامة للبرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ

وهو من الجهات التشريعية الهامة على مستوى العالم، حيث يضم ممثلين من جميع الدول التابعة للاتحاد الأوروبي، الذين يجري انتخابهم عن طريق الاقتراع المباشر. ويشتهر المبنى بطابعه العصري المتمثل في شكله الدائري المميز. يقع مبنى البرلمان الأوروبي بشارع يطلق عليه اسم (روبرت شومان)، الموسيقي الألماني الشهير، ويعد من أهم أماكن السياحة في ستراسبورغ الفرنسية.

 

متحف الفنون المعاصرة

يقع متحف الفنون المعاصرة بحي (هانس جين)، ويضم العديد من أشهر التحف الفنية الحديثة على مستوى العالم، يعد متحف الفنون المعاصرة بستراسبورغ هو الأكبر من نوعه في جميع الأنحاء الفرنسية.

 

كيف أصل إلى ستراسبورغ الفرنسية؟

ترتبط مدينة ستراسبورغ مع باقي المدن الفرنسية والأوروبية بشبكة سكك حديدة ممتازة، تنظم العديد من الرحلات على مدار اليوم. كذلك يوجد بالمدينة مطار ستراسبورغ الدولي، الذي يستقبل رحلات جوية من المدن المحلية والعالمية، بالإضافة إلى ثلاثة مطارات قريبة من المدينة؛  ميناء بازل الجوي، وميناء فرانكفورت، ومطار بادن، ما يضيف ميزة أخرى إلى اماكن السياحة في ستراسبورغ الجميلة، وهي سهولة زيارتها.

Categorized in:

فرنسا,