عاصمة الأندلس الخفية، أرض المعارف الإسبانية، حافظة الفنون الأوروبية، حاملة شعلة النور العالمية، السياحة في قرطبة تستقطب العقول النقية، إنها عاصمة الدولة الأموية قديمًا، والآن هي عاصمة مقاطعة قرطبة وهي تابعة لأندلوسيا، إحدى مدن إسبانيا التي تتمتع بالسياحة العالمية، لحتوائها ربما على مراد كل الزوار أو لأنها تختلف عن أي مدينة أخرى.

إنها المدينة التي تجمع بين الفلاسفة والشعراء، وهذا التنوع الفني ينم عن ثقافة المدينة المتنوعة منذ القدم، ففي عصور الرومان ولد الفيلسوف الأشهر سينيكا، وبعد أن استطاعت الدولة الأموية السيطرة على زمام الأمور ظهر لنا الفيلسوف ابن رشد، والفيلسوف اليهودي ابن ميمون، ومن الشعراء ابن زيدون والشاعرة ولادة بنت المستكفي.

 

وهذا العرض لبعض الفلاسفة والشعراء أصحاب الفضل في ازدهار الأندلس، لنبدء العرض الخيالي لهذه المدينة التي تمثل الجوهرة بالنسبة للأسبان والأوروبين، إن الأعدد التي تزور هذه المدينة اليوم في زيادة مستمرة لما فيها من تاريخ عريق، وقبل أن أتحدث عن اجتماع أصحاب الديانات الثلاث في المدينة وأثر هذا على السياحة في قرطبة، أريد أن أتكلم عن الجسر الرومان، وحفاوة الرومان بهذه المدينة، وكيف كانت مركزًا للتجارة العالمية، والقلاع والقصور تهب قرطبة منظرًا خالدًا من العصور التاريخية القديمة.

من الممكن أن تكون هذه القصور والقلاع والمتاحف الخاصة بالرومان هي السبب في درج قرطبة ضمن قائمة اليونسكو الخاصة بالمواقع الأثرية، أما الجانب الذي جمع بين أصحاب الديانات الثلاث فالكلام عنه يطول قد يكون هواء المدينة هو السبب في ود اليهود والمسيحين والمسلمين، فوجود حي خاص باليهود يجمع التراث اليهودي بأروع أمثلته وفنونه وكذلك الثقافة اليهودية المختلفة، والتي تبناها ابن ميمون وأخرجها في أجمل صورها يبين مدى احترام الأخر لثقافة اليهود.

أما المسلمين فهم أصحاب الفضل الأكبر على عاصمة الأندلس، ولهم أكبر الأثر لزيادة السياحة في قرطبة لأن مسجد قرطبة أهم المواقع الإسلامية التي تبرز روعة التصميم الإسلامي. الروح المسيحية موجودة في أرجاء المدينة، وبالجمع بين هذه الأديان تنعم المدينة بكل شيء.

قرطبة تجمع بين التراث المتنوع والمناظر الطبيعية الخلابة، فهي على نهر الوادي الكبير، وهي بهذا الموقع تجمع بين التاريخ المناسب للسياحة العالمية، والجانب الاسترخائي الذي يطلبه الجميع هذه الأيام، والمدينة تحدد مكانتها بين المدن السياحية وقت التسمية، إن معنى قرطبة أي المدينة القديمة والأزلية، وهذا المعنى يصف المدينة ويوضح ملامح السياحة في قرطبة، هذا إن كان الاسم إيبيري، أما إن كان عربيًا مع اختلاف الروايات فإن معناه القطع ،أي أنها المدينة القاطعة أو بمعنى العدو القوي والشديد.

 

تاريخ مدينة الزهور الأندلسية

مرت قرطبة بالمراحل التي ساعدتها كثيرًا، لتأخذ المكانة الحالية، فهي مستوطنة رومانية بداية من عام 206 قبل الميلاد، وبعد فترة من الزمن وبسبب موقع المدينة، أصبحت عاصمة لولاية بيتيكا، ولمعرفة أثر أي حضارة على مدينة يمكنك أن تسأل عن المدة التي قضتها الحضارة في المدينة، لتعرف مدى التغلغل ومدى التبادل الحضاري.

الرومان استطاعوا أن يحافظوا على المدينة أكثر من سبعة قرون، وهذه مدة كافية لترك أعظم الآثار، والتي منها الجسر الروماني الذي يقطع الوادي الكبير في منظر مهيب، والمظهر الثقافي يوضحه فيلسوف المدينة سينيكا.

حدثت الصراعات على المدينة بين البرابرة وقبائل كالوندا وقبائل الآلان، وبعد الكثير من الصراعات استطاع أهل القوط الغربيين السيطرة على قرطبة والجزيرة بأكملها، وترك القوطيون بعض المعالم الهامة في المدينة وبعض القلاع على الطراز القوطي المشهور بتصميم فريد.

جاء دور الدولة الإسلامية للسيطرة على الجزيرة كلها، ففي عام 710م استطاع مغيث الرومي دخول قرطبة وجعلها ولاية أندلسية، وهي عاصمة الأندلس فيما بعد، وحدث الكثير من الخلافات بين المسلمين، وانتهى في الشرق عهد الأمويين، لكنهم حافظوا على قرطبة، وازدهرت المدينة بشكل كبير في عهد عبد الرحمن الداخل الهارب من العباسيين، وفي عهد تم بناء المسجد الذي بقي حتى الأن كمعلم للمدينة.

بعد هذا العصر الذهبي للمدينة لابد أن يبدأ التفرق كأي دولة جمعت بين العلوم والثقافة، ظهرت الممالك لتصبح الأندلس أكثر من 12 دويلة متناحرة، وهذا بالتأكيد هو ما أنهى الحكم الإسلامي لقرطبة، والعجيب أن هذه الدويلات كان تتحارب فيما بينها، في نفس الوقت الذي استعاد فيه المسيحين قوتهم لستعادة قرطبة.

كما كان الحال من المسلمين أول الأمر حافظ أهل المدينة على الود مع اليهود والمسلمين، لكن هذا لم يدم إلا قليلًا فسرعان ما تحولوا إلى ذئاب تفترس كل من اختلف معهم، فتم ترحيل اليهود والمسلمين، وتم هذا على مراحل.

بعد هذا الانحدار بسبب الحروب. دخلت قرطبة  بين المدن الإسبانية الأروع، وعاد إليها الازدهار والتطور بسبب النشاط التجاري، وقدرة إسبانية بتشجيع السياحة في قرطبة، لتصبح مدينة متطورة، وتحافظ على مكانتها بحكمها الذاتي.

 

موقع قرطبة

إن أحد أسباب ازدهار السياحة في قرطبة موقعها التي تتميز به عن المدن الإسبانية، فقرطبة تقع في جنوب إسبانيا، وهي على ضفاف نهر الوادي الكبير، وروعة الطبيعة في قرطبة تتمثل في سلسلة جبال سيرا مورينا، التي تزين شمال المدينة بمنظر هائل، ومن المناظر الهائلة أيضًا في قرطبة أنها تضم أهم طريق طبيعي إسباني في الجنوب، وتكون الطريق بانحدار نهر الوادي الكبير من الضفة اليمنى إلى غرب المدينة، وأما عدد السكان في قرطبة هو 330 ألف نسمة.

 

المناخ

إن مدينة قرطبة تتمتع بجو رائع، فصل الشتاء لا تقل درجة الحرارة فيه عن الحد المعقول أو الحد الذي يمنع السياحة في قرطبة والتنزه بها، لذا تجده جو متوسطي أي أن درجة الحرارة تنخفض ولا تصل إلى تحت الصفر، والأمطار بشكل عام قليلة في قرطبة، إلا أن أكثر أوقاتها تكون في فصل الشتاء.

الصيف في قرطبة ترتفع درجات الحرارة فيه، إلا أن وجود نهر في المدينة يمنع أثر هذه الحرارة، ويتيح فرصة الاستمتاع بالمدينة صيفًا. أما فصلي  الربيع والخريف فهم الأكثر ظهورًا على خريطة المدينة لزيادة الأنشطة والمهرجانات، وصفاء الجو ونقاءه بهما.

 

أهم أماكن السياحة في قرطبة

إن قرطبة ترسم للزوار عدد معين من المعالم التي يمكنهم زيارتها، كأي مدينة أوروبية، إلا أنها تختلف قليلًا عن أي مكان لأن كل شبر من قرطبة، حاولت الكثير من الدول السيطرة عليه، وهذا أمد قرطبة بالحضارة المتنوعة والثقافة المختلفة، فإن أول جامعة في الغرب كانت بقرطبة، وأول المعالم الرومانية كالجسر الروماني والضريح الروماني، كل تلك الآثار بجانب الحضارة الإسلامية والآثار الغربية الحديثة، أعطى المدينة الرونق الأكثر تميزًا في أوروبا والعالم كله. ومن تلك المعالم التي ترسم اللوحة القرطبية.

 

1- مسجد قرطبة

إن بناء هذا المسجد كان في العهد الذهبي للمدينة أيام الحكم الإسلامي على يد عبد الرحمن الداخل، وروعة المسجد توضح مدى التطور الإسلامي في هذه الفترة، وهو يعكس المدى الخيالي لدى مصممي ومبدعي الإسلام في النقوش المرسومة، وتم اعتبار المسجد ساحة للحرية بين الأديان، وإمكانية التعدد، بقيام الملك كارلوس الأول ببناء كاتدرائية في مكان المسجد بدون هدم لهـ فهو مكان يجمع بين الجامع والكنيسة وهذا أعطى المسجد شهرة أكبر، وقيمة تراثية وثقافية في غاية الروعة.

 

2- برج كالاهورا

برج كالاهورا

زيارة الجسر الروماني من الزيارات الإسبانية الهامة، فالزائر لهذه الدولة يحب التعرف على أهم المعالم التي تحدد الملامح، والجسر الروماني أحد هذه الملامح الهامة والمؤثرة، والموضحة أيضًا لمدى التطور الحضاري الروماني، وهذا البرج أحد الأدلة المعبرة عن مدى القدرة الرومانية على التصميم والإبداع والحماية، وهذا البرج يتكون من برجين على شكل مربع، وفي هذا البرج الذي يعود إلى القرن الثاني عشر متحف يخص الحياة الأندلسية بروعة الحياة في هذا العصر.

 

3- البيت الأندلسي

هذا البيت يرجع إلى القرن الثاني عشر أيضًا، وبه قطع أثرية نادرة، وقرطبة تحافظ بهذا القصر على الروح الرومانية الجميلة، ببعض الفسيفساء الخاصة بهم، وبعض التحف الرائعة لهم، والبيت يضم فناء كبيرًا ونافورة في وسط البيت جميلة، والأجمل أن البيت يضم بعض الكتب التراثية القديمة، التي يمكنك تصفحها في أجواء قرطبية فريدة.

 

4- قلعة الكازار

في مدينة قرطبة يمكنك أن تطالع أحد القلاع التي تم بنائها في القرون الوسطى، على طراز رفيع، لتكون مسكنًا لإيزابيلا وزوجها، ولكي يخرج القصر بتلك الروعة، تم اختيار المكان بدقة، حتى تم العثور على هذا الموقع بضفة نهر جواد الكيفير؛ ليجمع القصر بهذا بين الجمال الطبيعي والجمال الخرافي بالتصميم.

 

5- متحف قرطبة الأثري

يجمع المتحف القطع الأثرية الخاصة بكل العصور التي مرت على قرطبة، لهذا يعتبر المتحف معرضًا لتاريخ المدينة وأبهى عصورها، فأنت بين الفن الإيبيري والرماني والقوطي والإسلامي، حتى أن المتحف يضم عددًا من التحف التي تخص العصر الحديث، فتكمن روعة المتحف في وصوله حد الكمال في الوضوح والمتعة.

 

6- قصر قرطبة

هذا القصر المميز قد لا يصل في شهرته إلى قصر الحمراء في غرناطة، ولا الكازار في إشبيلية، إلا أنه مماثل لهم من حيث روعة التصميم، ويمتاز عنهم هذا القصر بروعة الفناء، والأشجار المتنوعة في الحديقة، وتوجد برك ماء كثيرة بطول الحديقة كلها، لتخرج الحديقة بأجمل صورة مع أشجار البرتقال، المصطف على جانبي القصر.

 

التسوق في قرطبة

ساحة كوريديرا وحي اليهود مناطق قرطبية بطبعية تاريخية بديعة، بعد أن رأينا كيف تصبح السياحة في قرطبة ممتعة، يمكننا أن نلقي نظرة على التسوق بقرطبة، إن التسوق يتنوع ويزيد مع وجود الكثير من المحلات التجارية، ومع كثرة الماركات العالمية، وهذا متوفر في مدينة قرطبة التي تكثر فيها المراكز التجارية صاحبة الشهرة العالمية، مما جعل لقرطبة دورًا كبيرًا في إسبانيا بمجال التسوق.

من أشهر أماكن السياحة في قرطبة التي تجذب عددا كبيرا من هواة التسوق، ساحة كوريديرا فهذه الساحة تضم عدد كبير من المحلات التجارية الرائعة، وفي هذه الساحة الكثير من المطاعم والكافيهات الأكثر شهرة. وفي حي اليهود تجد روح القدم، ومدى حب اليهود لتراثهم، ويمكنك جمع أكبر عدد هدايا من هذا الحي.

Categorized in:

إسبانيا,