تخطى إلى المحتوى

السياحة في كوبا: أرض الألوان والسيجار والثورة

  • بواسطة

هي الدولة الجزيرة أو (المكان العظيم) كما تعنى في لغة التاينو القديمة، ويقال إن كريستوفر كولومبوس قد أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى منطقة (تيجا) في البرتغال، لكن أبناءها يطلقون عليها وصف “الأراضي الخصبة الوفيرة”. تعتبر أماكن السياحة في كوبا مقصدا للعديد من منتجي هوليوود، حيث المناظر الرائعة والدفء والسيجار الكوبي الشهير، ولا يستطيع أحد أن يذكر كوبا دون أيقونة الثورات تشي جيفارا، ولا أن يذكر جيفارا دون ذكر كوبا؛ تلك الجزيرة الشبيهة بالفتاة الجميلة والتي تناغش عيون الكاريبي فيحتضنها.

بشواطئها الدافئة ورمالها الذهبية تستقطب السياحة في كوبا حوالي 3 ملايين سائح سنويا، ناهيك عن كونها من أكثر بلدان العالم تنوعا في الإرث الثقافي متمثلا في العادات والتقاليد والهندسة المعمارية – الإسبانية على وجه الخصوص، فهي آخر مستعمرة لإسبانيا كما أنها الأقرب لها جغرافيا.

أماكن السياحة في كوبا لا تعتمد فقط على السياحة الترفيهية، بل تشتهر كوبا بالسياحة الصحية؛ حيث تعد من أفضل الوجهات العلاجية في العالم وتشتهر بكونها من أكثر الدول التي تهتم بجراحات العيون والاضطرابات العصبية وجراحة العظام. ويراها الأمريكيون والكنديون وجهة مهمة للاستشفاء؛ حيث زارها في عام 2005 ما يقارب 196 ألف سائح للعلاج والاستشفاء، ذلك أن كوبا دولة سياحية  تهتم بصحة الجسد ورفاهيته.

 

كوبا وتاريخ بطعم البحر

كعادة معظم الدول المتحدثة بالإسبانية، لا بد من فصلها تاريخيا لما قبل (كولومبوس) وما بعده؛ كان يقطنها قبل كولومبوس سكان أمريكا الجنوبية الأصليين: شعبي الـ(تاينو) والـ(سيبوني)، حيث كان التاينو يحترفون الزراعة، بينما السيبوني يحترفون الصيد. كما اشتهرت كوبا وقتها بتجارة النحاس.

وصل كولومبوس إلى كوبا عام 1492م بالقرب من منطقة تسمى الآن (باراكاو)، وطالب بضم كوبا إلى المملكة الإسبانية. وقد استغل وقتها ما يقارب من 100 ألف من السكان الأصليين الذين رفضوا اعتناق المسيحية للتنقيب عن الذهب.

استمر الوجود الإسباني ما يقارب الـ 400 عام، من 1511م إلى 1898م، واعتمد الاقتصاد حينئذ على الزراعة والتعدين وتصدير السكر والتبغ إلى أوروبا ثم أمريكا الشمالية. في العشرينيات من القرن التاسع عشر بدأت حروب التحرير في أمريكا الجنوبية، لكن ظلت كوبا على ولائها لإسبانيا حتى أطلق عليها التاج الإسباني لقب (الجزيرة الأكثر إخلاصا دائما)، لكن هذا الولاء لم يكن تشكيكا في وطنية أبنائها، إنما ناتج عن اعتماد كوبا على إسبانيا في التجارة والحماية من القراصنة وثورات العبيد.

خلال تسعينيات القرن التاسع عشر ألغي الرق وبدأت الاحتجاجات تجتاح إسبانيا، وكعادة الشعوب التي تطمح للحرية بالفطرة بدأت مرحلة الاستقلال الكوبية التي انتهت في القرن العشرين بتوقيع معاهدة باريس عام 1898م، والتي بموجبها تنازلت إسبانيا عن كوبا، وتم منحها الاستقلال رسميا عام 1902م.

في عام 1956م وصل (كاسترو) ومعه 82 ثائرًا إلى كوبا بهدف الثورة على نظام (باتستا)، وقد انضم آخرون إلى الثوار حتى فر باتستا بعدها بعام إلى منفاه بالبرتغال، ودخلت كوبا مرحلة الشيوعية والحزب الواحد والعداء مع الجارة الولايات المتحدة، حتى تحسنت العلاقات مؤخرا بزيارة الرئيس الأمريكي السابق (باراك أوباما)، لإنهاء فترة من القطيعة استمرت أكثر من سبعة عقود، مما مهد لعودة الاقتصاد إلى التعافي وبدوره عودة السياحة إلى كوبا، تلك الجزيرة الصغيرة التي دافعت عن كيانها وانتصرت.

 

الجغرافيا والمناخ: الدفء وصخب الـ (تشا تشا)

تبلغ مساحة كوبا ما يقارب 110 ألف كم، بعدد سكان يتجاوز 11 مليون نسمة؛ لذا تعد من أكثر جزر الكاريبي كثافة سكانية، وعملة كوبا هي البيزو الكوبي. وتجدر الإشارة إلى أن ثقافات الأرض تحددها ماهية السكان، وكوبا تحمل بداخلها إرثًا حضاريًا عريقًا بين مرحلة ما قبل غزو إسبانيا وما بعدها، مما أدى إلى هجرة الكثيرين إليها من أوروبا – خاصة إيطاليا وإسبانيا، ومن الصين والفلبين، ومن العرب المغاربة.

تقع كوبا في مدخل (خليج المكسيك)، وتتكون من جزيرتي كوبا ولاجوفنتود. تحدها من الشمال جزر البهاما ومن الشمال الغربي الولايات المتحدة، ومن الشرق هاييتي ومن الجنوب جامايكا وجزر كايمان ومن الغرب المكسيك.

الجزيرة الرئيسية هي كوبا، وتحيط بها عدة جزر صغيرة، مكونة عددا من الأرخبيلات، كل منها يعرف باسم خاص به؛ فنجد في الشمال وإلى الغرب قليلا ذاك الأرخبيل المعروف بـ(كولورادوس)، أما في مركز الشمال تقريبا من ضفاف الأطلسي فنجد (سابانا كاماغوي)، كذلك غربي الجنوب نجد أرخبيل يعرف بـ(كاناريوس).

يعد المناخ من أهم أسباب السياحة في كوبا بصفة عامة، حيث تتمتع الجزيرة بمناخ استوائي نظرا لوقوعها في منطقة الكاريبي، لكن الرياح القادمة من الشمال الشرقي تضفي اعتدالا ودفئا على مدار العام وهذا ينعكس بالضرورة على السكان، فالدفء حالة في السماء وفي القلوب.

 

أجمل المدن السياحية في كوبا

كوبا هي جزيرة السحر والتنوع، هذا التنوع الذي يتراوح بين الصخب والعزلة، بين العمارة والفن، بين التقاليد والرقص، بين الطعام ومتعة السيجار، وفيما يلي سوف نذكر بعض أجمل المدن السياحية في كوبا، والتي يقبل عليها الزوار من مختلف أنحاء العالم:

 

هافانا: تاريخ من السحر والجمال والصمود

هي مدينة الحياة بكل ما تعني الكلمة، مدينة الشباب المثقف والطراز الغربي والهندسة المعمارية التي تذكرك بشوارع روما لكثرة ميادينها، وتذكرك بطعم فيينا لكثرة مبانيها الأثرية. هافانا هي المدينة الأكبر في كوبا ومنطقة البحر الكاريبي، ويبلغ عدد سكانها 2.4 مليون نسمة، وتعتبر من المدن الأكثر ثراء بالمعالم التاريخية على مستوى العالم.

توجد بها قلعة (فورتاليزا سان كارلوس دو لا كابانا)، وهي من أكثر الحصون إثارة للإعجاب من الحقبة الاستعمارية،وقد  تم بناؤها في نهاية القرن الثامن عشر. كما يوجد بها متحف (نيكروبلس كريستوبال كولون)، والذي يعتبر من بين أجمل المتاحف الموجودة  في دول أمريكا اللاتينية. كما يوجد بالمدينة أحد المعالم الشهيرة وهو تمثال (المسيح يبارك المدينة)، والذي يشبه إلى حد بعيد تمثال (المسيح الفادي) في ريو دي جانيرو.

 

كايو كوكو: قطعة سكر فى فم البحر الكاريبي

هي الجزيرة الأشهر في رياضات الماء؛ من السباحة إلى الغطس إلى التزلج، وبها مجموعة من الكهوف التي تعتبر محميات طبيعية تابعة لليونسكو، نظرا لجمالها وندرتها، فالمنطقة بالكامل هي عبارة عن تنوع ممتع ومبهر إلى أقصى حد من التضاريس الجيولوجية و الغابات الساحلية وغابات (المنجروف)،  انتهاء إلى تشكيلة واسعة من مناطق الشعاب المرجانية. كما تحتوي الجزيرة على خمسة وثلاثين موقعا أثريًّا هامًا، أما عن شواطئها فهي الأجمل في منطقة الكاريبي، وما أجمل أن ينام الزائر في حضن الماء، ثم يستمتع بعدها بدفء الكهف.

 

باراكاو: العزلة والسحر والمحيط

هي المدينة الأكثر سحرا وجمالا وعزلة في كوبا، تقع في أحضان المحيط الأطلسي من جهة الشمال الكوبي، تحدها من باقي الجهات الأنهار والجبال والغابات، وهي تضم مجموعة من أجمل أماكن السياحة في كوبا وأكثرها سحرا. يقام بها مهرجان الشارع في إبريل من كل عام بمناسبة استقلال كوبا، كما تحتوي على الحديقة الوطنية وشلالات سالتاديرو.

باراكاوا موطن العديد من النباتات والحيوانات حتى المهددة بالانقراض، وذلك نظرا لتوفر الغابات المطيرة فيها. إن أماكن السياحة في كوبا متنوعة حتى في العزلة والهدوء.

 

سانتياغو دي كوبا: فجر الانتصار ظهر هنا

هي المدينة الأشهر بعد هافانا بتنوعها الثقافي الفريد، كما أن إعلان انتصار الثورة كان من فوق أرضها، مما أعطاها بعدًا نفسيًّا وتاريخيًّا للقاطن والسائح في نفس الوقت. بها اثنين من المهرجانات الكبرى: مهرجان دي سانتياجو، ومهرجان النار. كما تعتبر سانتياغو دي كوبا متحفًا مفتوحًا لاحتوائها على العديد من المباني الأثرية، خاصة من حقبة الاستعمار الإسباني.

 

أهم أماكن السياحة في كوبا

يضفي المكان بريقًا وسحرًا على الأشخاص، أما أن يضفي الأشخاص على المكان سحرًا خاصًا فهذا تراه في كوبا واضحا كشمس الكاريبي. ومن بين أهم وأجمل أماكن السياحة في كوبا يمكننا أن نذكر:

 

ضريح تشي جيفارا

يضم رفات أيقونة الثورات اللاتينية (جيفارا) وستة عشر من رفاقه، ويقع في سانتا كلارا، وهو مفتوح من الثامنة صباحا للتاسعة مساء.

 

مسرح هافانا الكبير

يسمى المسرح العظيم، وقد تم افتتاحه عام 1838م، ويقع في باسيو ديل برادو، يحتوي على العديد من العروض البصرية وقاعات الرقص والكورال.

 

كاتدرائية هافانا

تم تشييدها بأمر من كارلوس الثالث ملك إسبانيا، وهي تعد من أرقى المعالم الأثرية في كوبا من الحقبة الاستعمارية؛ أو تحفة التقاء السماء بالفن كما يطلق عليها البعض.

 

يخت غرانما

هو اليخت الذي حمل ثوار كوبا الاثنين والثمانين عام 1956م. وقد تم شراء اليخت في أكتوبر من نفس العام بمبلغ خمسين ألف دولار أمريكي، وذلك بعد عدة محاولات من كاسترو لشراء طائرة، ولكن لم يسمح له بذلك، وأصبح اليخت معلم من معالم كوبا.

 

حديقة الديناصورات

تقع الحديقة في مدينة ديياجو، وتبلغ مساحتها حوالي 11 هكتار، وهي تحتوي على العديد من نماذج الديناصورات، وأكثر من مئتي منحوتة تمثل الديناصورات في الحقب التاريخية المختلفة.

 

التسوق في كوبا

السياحة في كوبا لا تكتمل متعتها إلا بالتسوق، وإذا أردت أن تتسوق في بلد يحتوي هذا الكم الهائل من التنوع، فأنت أمام خيارات عديدة أقلها جميل، فبداية من أسواق هافانا الشعبية التي تزخر بالمشغولات اليدوية وسحر قراصنة الكاريبي وتشكيلات رائعة من الصدف وقلادات الخرز، وصولا إلى الهدايا التذكارية والقبعات التي تشتهر بها منطقة الكاريبي بصفة عامة وكوبا على وجه الخصوص، سوف يجد زائر كوبا الكثير والكثير من متع التسوق وغرائبه.

أما بالنسبة للسيجار الكوبي فهو بالطبع يعد الأفضل في العالم والأكثر رفاهية ومذاقًا، وهو رمز فخامة المدخن الكلاسيكي، ولا يصح أن نذكر كوبا بدون ذكر السيجار خاصة السيجار اليدوي الذي تسوّقه كوبا في كل أنحاء العالم. وختاما فإن أماكن السياحة في كوبا تمنح السائح متعة العيش داخل أسطورة قراصنة الكاريبي، وسيجار جيفارا، ورقصة التشا تشا تشا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *